الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)
.ذكر خروج الفرنج بالشام إلى بلد الإسلام والصلح معهم: وكان الملك العادل بدمشق، فأرسل في جمع العساكر من بلاد الشام ومصر، وسار فنزل عند الطور بالقرب من عكا، لمنع الفرنج من قصد بلاد الإسلام، ونزل الفرنج بمرج عكا، وأغاروا على كفركنا، فأخذوا كل من بها وأموالهم، والأمراء يحثون العادل على قصد بلادهم ونهبها، فلم يفعل، فبقوا كذلك إلى أن انقضت السنة، وذلك سنة إحدى وستمائة، فاصطلح هو والفرنج على دمشق وأعمالها، وما بيد العادل من الشام، ونزل لهم عن جميع المناصفات في الصيدا والرملة وغيرهما، وأعطاهم ناصرة وغيرها، وسار نحو الديار المصرية. فقصد الفرنج مدينة حماة، فلقيهم صاحبها ناصر الدين محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب، فقاتلهم، وكان في قلة، فهزموه وتبعوه إلى البلد، فخرج العامة إلى قتالهم، فقتل الفرنج منهم جماعة وعاد الفرنج. .ذكر قتل كوكجة ببلاد الجبل: .ذكر وفاة ركن الدين بن قلج أرسلان وملك ابنه بعده: واجتمع الناس على ولده قلج أرسلان، وكان صغيراً، فبقي في الملك إلى بعض سنة إحدى وستمائة، وأخذ منه، على ما نذكره هناك. وكان ركن الدين شديداً على الأعداء، قيماً بأمر الملك، إلا أن الناس كانوا ينسبونه إلى فساد الاعتقاد؛ كان يقال إنه يعتقد أن مذهبه مذهب الفلاسفة، وكان كل من يرمى بهذا المذهب يأوي إليه، ولهذه الطائفة منه إحسان كثير، إلا أنه كان عاقلاً يحب ستر هذا المذهب لئلا ينفر الناس عنه. حكي لي أنه كان عنده إنسان، وكان يرمى بالزندقة ومذهب الفلاسفة، وهو قريب منه، فحضر يوماً عنده فقيه، فتناظرا، فأظهر شيئاً من اعتقاد الفلاسفة، فقام الفقيه إليه ولطمه وشتمه بحضرة ركن الدين، وركن الدين ساكت، وخرج الفقيه فقال لكرن الدين: يجري علي مثل هذا في حضرتك ولا تنكره؟ فقال: لو تكلمت لقتلنا جميعاً، ولا يمكن إظهار ما تريده أنت؛ ففارقه. .ذكر قتل الباطنية بواسط: وكان ممن يغشاه رجل يعرف بحسن الصابوني، فاتفق أنه اجتاز بالسويقة، فكلمه رجل نجار في مذهبهم، فرد عليه الصابوني رداً غليظاً، فقام إليه النجار وقتله، وتسامع الناس بذلك، فوثبوا وقتلوا من وجدوا ممن ينتسب إلى هذا المذهب، وقصدوا دار ابن عصية وقد اجتمع إليه خلق من أصحابه، وأغلقوا الباب، وصعدوا إلى سطحها، ومنعوا الناس عنهم، فصعدوا إليهم من بعض الدور من على السطح، وتحصن من بقي في الدار بإغلاق الأبواب والممارق، فكسروها، ونزلوا فقتلوا من وجدوا في الدار وأحرقوا، وقتل ابن عصية، وفتح الباب، وهرب منهم جماعة فقتلوا؛ وبلغ الخبر إلى بغداد، وانحدر فخر الدين أبو البدر بن أمسينا الواسطي لإصلاح الحال، وتسكين الفتنة. .ذكر استيلاء محمود على مرباط وغيرها من حضرموت: .ذكر عدة حوادث: وفيها كانت زلزلة عظيمة عمت أكثر البلاد مصر، والشام، والجزيرة، وبلاد الروم، وصقلية، وقبرس، ووصلت إلى الموصل والعراق وغيرهما، وخرب من مدينة صور سورها وأثرت في كثير من الشام. وفيها، في رجب، اجتمع جماعة من الصوفية برباط شيخ الشيوخ ببغداد وفيهم صوفي اسمه أحمد بن إبراهيم الداري من أصحاب شيخ الشيوخ عبد الرحيم بن إسمعيل، رحمهم الله، ومعهم مغن يغني ويقول الشعر: فتحرك الجماعة، عادة الصوفية في السماع، وطرب الشيخ المذكور، وتواجد، ثم سقط مغشياً عيه، فحركوه فإذا هو ميت، فصلي عليه ودفن، وكان رجلاً صالحاً. وفيها توفي أبو الفتوح أسعد بن محمود العجلي، الفقيه الشافعي، بأصفهان في صفر، وكان إماماً فاضلاً. وفي رمضان منها توفي قاضي هراة عمدة الدين الفضل بن محمود بن صاعد الساوي، وولي بعده ابنه صاعد. ثم دخلت: .سنة إحدى وستمائة: .ملك كيخسرو بلاد الروم من ابن أخيه: في هذه السنة، في رجب، ملك غياث الدين كيخسرو بن قلج أرسلان بلاد الروم التي كانت بيد أخيه ركن الدين سليمان وانتقلت بعد موته إلى ابنه قلج أرسلان بن ركن الدين. وكان سبب ملك غياث الدين لها أن ركن الدين كان قد أخذ ما كان لأخيه غياث الدين، وهو مدينة قونية، فهرب غياث الدين منه، وقصد الشام إلى الملك الظاهر غازي بن صلاح الدين، صاحب حلب، فلم يجد عنده قبولاً، وقصر به، فسار من عنده، وتقلب في البلاد إلى أن وصل إلى القسطنطينية، فأحسن إليه ملك الروم وأقطعه وأكرمه، فأقام عنده، وتزوج بابنة بعض البطارقة الكبار. وكان لهذا البطريق قلعة من عمل القسطنطينية، فلما ملك الفرنج القسطنطينية هرب غياث الدين إلى حميه، وهو بقلعته، فأنزله عنده وقال له: نشترك في هذه القلعة، ونقنع بدخلها. فأقام عنده؛ فلما مات أخوه سنة ستمائة، كما ذكرناه، اجتمع الأماء على ولده، وخالفهم الأتراك الأوج، وهم كثير بتلك البلاد، وأنف من اتباعهم، وأرسل إلى غياث الدين يستدعيه إليه ليملكه البلاد، فسار إليه، فوصل في جمادى الأولى، واجتمع به، وكثر جمعه، وقصد مدينة قونية ليحصرها، وكان ولد ركن الدين والعساكر بها، فأخرجوا إليه طائفة من العسكر، فلقوا فهزموه، فبقي حيران لا يدري أين يتوجه، فقصد بلدة صغيرة يقال لها أوكرم بالقرب من قونية. فقدر الله تعالى أن أهل مدينة أقصر وثبوا على الوالي فأخرجوه منها ونادوا بشعار غياث الدين، فلما سمع أهل قونية بما فعله أهل أقصرا قالوا: نحن أولى من فعل هذا؛ لأنه كان حسن السيرة فيهم لما كان مالكهم، فنادوا باسمه أيضاً، وأخرجوا من عندهم، واستدعوه، فحضر عندهم، وملك المدينة وقبض على ابن أخيه ومن معه، وآتاه الله الملك، وجمع له البلاد جميعها في ساعة واحدة، فسبحا من إذا أراد أمراً هيأ أسبابه. وكان أخوه قيصر شاه الذي كان صاحب ملطية، لما أخذها ركن الدين منه سنة سبع وتسعين، خرج منها، وقصد الملك العادل أبا بكر بن أيوب، لأنه كان تزوج ابنته مستنصراً به، فأمره بالمقام بمدينة الرها، فأقام بها، فلما سمع بملك أخيه غياث الدين سار إليه، فلم يجد عنده قبولاً، إنما أعطاه شيئاً وأمره بمفارقة البلاد، فعاد إلى الرها وأقام بها، فلما استقر ملك غياث الدين سار إليه الأفضل صاحب سميساط، فلقيه بمدينة قيسارية، وقصده أيضاً نظام الدين صاحب خرت برت، وصار معه، فعظم شأنه وقوي أمره. .ذكر حصر صاحب آمد خرت برت ورجوعه عنها: وكان صاح بآمد ملتجئاً إلى الملك العادل، وفي طاعته، وحضر مع ابنه الملك الأشرف قتال صاحب الموصل على شرط أنه يسير معه في عساكره، ويأخذ له خرت برت، وإنما طمع فيها بموت ركن الدين، فلما دخلت هذه السنة طلب ما كان استقر الأمر عليه، فسار معه الملك الأشرف وعساكر ديار الجزيرة من سنجار، وجزيرة ابن عمر، والموصل، وغيرها، وكان نزولهم عليها في شعبان؛ وفي رمضان تسلموا ربضها؛ وكان صاحبها قد اجتمع بغياث الدين، بعد أن ملك البلاد الرومية، وصار معه في طاعته، فلما نزل صاحب آمد على خرت برت خاطب صاحبها غياث الدين ينجده بعسكره يرحلهم عنه، فجهز عسكراً كثيراً عدتهم ستة آلاف فارس، وسيرهم مع الملك الأفضل علي بن صلاح الدين وهو صاحب سميساط، فلما وصل العسكر إلى ملطية فارق صاحب آمد ومن معه من خرت برت، ونزلوا إلى الصحراء، وحصروا البحيرة المعروفة ببحيرة سمنين وبها حصنان أحدهما لصاحب خرت برت، فحصره وزاحفه، ففتحه ثاني ذي الحجة. ووصل صاحب خرت برت مع العسكر الرومي إلى خرت برت، فرحل صاحب آمد عن البحيرة وقوى الحصن الذي فتحه فيها، فأزاح علته، ورحل إلى خلف مرحلة ونزل، وترددت الرسل؛ والعسكر الرومي يطلب البحيرة، وصاحب آمد يمتنع من ذلك، فلما طال الأمر بقي الحصن بيد صاحب آمد، وانفصل العسكران، وعاد كل فريق إلى بلاده. .ذكر الفتن ببغداد: فلما كان الغد سار أهل المأمونية إلى أهل باب الأزج، فوقعت بينهم فتنة شديدة وقتال بالسيوف والنشاب، واشتد الأمر، فنهبت الدور القريبة منهم، وسعى الركن ابن عبد القادر ويوسف العقاب في تسكين الناس، وركب الأتراك، فصاروا يبيتون تحت المنظرة، فامتنع أهل الفتنة من الاجتماع، فسكنوا. وفي العشرين منه جرت فتنة بين أهل قطفتا والقرية، من محال الجانب الغربي، بسبب قتل سبع أيضاً، أراد أهل قطفتا أن يجتمعوا ويطوفوا به، فمنعهم أهل القرية أن يجوزوا به عندهم، فاقتتلوا، وقتل بينهم عدة قتلى، فأرسل إليهم عسكر من الديوان لتلافي الأمر ومنع الناس عن الفتنة، فامتنعوا. وفي تاسع رمضان كانت فتنة بين أهل سوق السلطان والجعفرية، منشأها أن رجلين من المحلتين اختصما وتوعد كل واحد منهما صاحبه، فاجتمع أهل المحلتين. واقتتلوا في مقبرة الجعفرية، فسير إليهم من الديوان من تلافى الأمر وسكنه؛ فلما كثرت الفتن رتب أمير كبير من مماليك الخليفة، ومعه جماعة كثيرة، فطاف في البلد، وقتل جماعة من فيه شبهة، فسكن الناس. .ذكر غارة الكرج على بلاد الإسلام: وفيها أغارت الكرج على بلاد خلاط، فأتوا إلى أرجيش ونواحيها، فنهبوا، وسبوا، وخربوا البلاد، وساروا إلى حصن التين، من أعمال خلاط، وهو مجاور أرزن الروم، فجمع صاحب خلاط عسكره وسار إلى ولد قلج أرسلان، صاحب أرزن الروم، فاستنجده على الكرج، فسير عسكره جميعه معه، فتوجهوا نحو الكرج، فلقوهم، وتصافوا، واقتتلوا، فانهزمت الكرج، وقتل زكري الصغير، وهو من أكابر مقدميهم، وهو الذي كان مقدم هذا العسكر من الكرج والمقاتل بهم، وغنم المسلمون ما معهم من الأموال والسلاح والكراع وغير ذلك، وقتلوا منهم خلقاً كثيراً، وأسروا كذلك، وعاد إلى بلاده. .ذكر الحرب بين أمير مكة وأمير المدينة: .ذكر عدة حوادث: وفي هذه السنة ولدت امرأة ببغداد ولداً له رأسان وأربع أرجل ويدان، ومات في يومه. وفيها أيضاً وقع الحريق في خزانة السلاح التي للخليفة، فاحترق فيها منه شيء كثير، وبقيت النار يومين، وسار ذكر هذا الحريق في البلدان، فحمل الملوك من السلاح إلى بغداد شيئاً كثيراً. وفي هذه السنة وقع الثلج بمدينة هراة أسبوعاً كاملاً، فلما سكن جاء بعده سيل من الجبل من باب سرا، خرب كثيراً من البلد، ورمى من حصنه قطعة عظيمة، وجاء بعده برد شديد أهلك الثمار، فلم يكن بها تلك السنة شيء إلا اليسير. وفيها، في شعبان، خرج عسكر من الغورية مقدمهم الأمير زنكي بن مسعود إلى مدينة مرو، فلقيهم نائب خوارزم شاه بمدينة سرخس، وهو الأمير جقر، وكمن لهم كميناً، فلما وصولا إليه هزمهم، وأخذ وجوه الغورية أسرى، فلم يفلت منهم إلا القليل، وأخذ أميرهم زنكي أسيراً، فقتل صبراً، وعلقت رؤوسهم بمرو أياماً. وفيها، في ذي القعدة، سار الأمير عماد الدين عمر بن الحسين الغوري، صاحب بلخ، إلى مدينة ترمذ، وهي للأتراك الخطا، فافتتحها عنوة، وجعل بها ولده الأكبر، وقتل من بها من الخطا، ونقل العلويين منها إلى بلخ، وصارت ترمذ دار إسلام، وهي من أمنع الحصون وأقواها. وفيها توفي صدر الدين السجزي شيخ خانكاه السلطان بهراة. وفيها، في صفر، توفي أبو علي الحسن بن محمد بن عبدوس الشاعر الواسطي، وهو من الشعراء المجيدين، واجتمعت به بالموصل، وردها مادحاً لصاحبها نور الدين أرسلان شاه وغيره من المقدمين، وكان نعم الرجل، حسن الصحبة والعشرة. وفيها اجتمع ببغداد رجلان أعميان على رجل أعمى أيضاً، وقتلاه بمسجد طمعاً في أن يأخذا منه شيئاً، فلم يجدا معه ما يأخذانه، وأدركهما الصباح، فهربا من الخوف يريدان الموصل، ورؤي الرجل مقتولاً، ولم يعلم قاتله، فاتفق أن بعض أصحاب الشحنة اجتاز من الحريم في خصومة جرت، فرأى الرجلين الضريرين، فقال لمن معه: هؤلاء الذين قتلوا الأعمى؛ يقوله مزحاً، فقال أحدهما: هذا والله قتله؛ فقال الآخر: بل أنت قتلته، فأخذا إلى صاحب الباب، فأقرا، فقتل أحدهما، وصلب الآخر على باب المسجد الذي قتلا فيه الرجل. ثم دخلت: .سنة اثنتين وستمائة: .ذكر الفتنة بهراة: .ذكر قتال شهاب الدين الغوري بني كوكر: فلما فرغ شهاب الدين من قتل مملوكه أيبك باك، وقد ذكرناه، أرسل إلى نائبه بلهاوور والمولتان، وهو محمد بن أبي علي، يأمره بحمل المال لسنة ستمائة، وسنة إحدى وستمائة، ليتجهز به لحرب الخطا، فأجاب أن أولاد كوكر قد قطعوا الطريق، لا يمكنه إرسال المال، وحضر جماعة من التجار، وذكروا أن قفلا كبيراً أخذه أولاد كوكر، ولم ينج منه إلا القليل؛ فأمر شهاب الدين مملوكه أيبك، مقدم عساكر الهند، أن يراسل بني كوكر يدعوهم إلى الطاعة، ويتهددهم إن لم يجيبوا إلى ذلك، ففعل ذلك، فقال ابن كوكر: لأي معنى لم يرسل السلطان إلينا رسولاً؟ فقال له الرسول: وما قدركم أنتم حتى يرسل إليكم، وإنما مملوكه يبصركم رشدكم، ويهددكم. فقال ابن كوكر: لو كان شهاب الدين حياً لراسلنا، وقد كنا ندفع الأموال إليه، فحيث عدم فقل لأيبك يترك لنا لهاوور وما والاها، وفرشابور، ونحن نصالحه؛ فقال الرسول: أنفذ أنت جاسوساً تثق به فيأتيك بخبر شهاب الدين ن فرشابور؛ فلم يصغ إلى قوله، فرده، فعاد وأخبر بما سمع ورأى، فأمر شهاب الدين مملوكه قطب الدين أيبك بالعود إلى بلاده، وجمع العساكر، وقتال بني كوكر، فعاد إلى دهلي، وأمر عساكره بالاستعداد، فأقام شهاب الدين في فرشابور إلى نصف شعبان من سنة إحدى وستمائة، ثم عاد إلى غزنة فوصلها أول رمضان، وأمر بالنداء في العساكر بالتجهز لقتال الخطا، وأن المسير يكون أول شوال، فتجهزوا لذلك. فاتفق أن الشكايات كثرت من بني كوكر وما يتعهدونه من إخافة السبل وأنهم قد أنفذوا شحنة إلى البلاد، ووافقهم أكثر الهنود، وخرجوا من طاعة أمير لهاوور والمولتان وغيرهما. ووصل كتاب الوالي يذكر ما قد دهمه منهم، وأن عماله قد أخرجهم بنو كوكر، وجبوا الخراج، وأن ابن كوكر مقدمهم أرسل إليه ليترك له لهاوور والبلاد والفيلة ويقول أن يحضر شهاب وإلا قتله، ويقول: إن لم يحضر السلطان شهاب الدين بنفسه ومعه العساكر وإلا خرجت البلاد من يده. وتحدث الناس بكثرة من معهم من الجموع، وما هم من القوة، فتغير عزم شهاب الدين حينئذ عن غزو الخطا، وأخرج خيامه وسار عن غزنة خامس ربيع الأول سنة اثنتين وستمائة، فلما سار وأبعد انقطعت أخباره عن الناس بغزنة وفرشابور، حتى أرجف الناس بانهزامه. وكان شهاب الدين لما سار عن فرشابور أتاه خبر ابن كوكر أنه نازل في عساكره ما بين جيلم وسودرة، فجد السير إليه، فدهمه قبل الوقت الذي كان يقدر وصوله فيه، فاقتتلوا قتالاً شديداً يوم الخميس لخمس بقين من ربيع الآخر، من بكرة إلى العصر، واشتد القتال، فبينما هم في القتال أقبل قطب الدين أيبك في عساكره، فنادوا بشعار الإسلام، وحملوا حملة صادقة، فانهزم الكوكرية ومن انضم إليهم، وقتلوا بكل مكان، وقصدوا أجمة هناك، فاجتمعوا بها، وأضرموا ناراً، فكان أحدهم يقول لصاحبه: لا تترك المسلمين يقتلونك؛ ثم يلقي نفسه في النار فيلقي صاحبه نفسه بعده فيها، فعمهم الفناء قتلاً وحرقاً، {فبعداً للقوم الظالمين} [المؤمنون: 41]. وكان أهلهم وأموالهم معهم لم يفارقوها، فغنم المسلمون منهم ما لم يسمع بمثله، حتى أن المماليك كانوا يباعون كل خمسة بدينار ركني ونحوه، وهرب ابن كوكر بعد أن قتل إخوته وأهله. وأما ابن دانيال، صاحب جبل الجودي، فإنه جاء ليلاً إلى قطب الدين أيبك، فاستجار به، فأجاره، وشفع فيه إلى شهاب الدين، فشفعه فيه، وأخذ منه قلعة الجودي؛ فلما فرغ منهم سار نحو لهاوور ليأمن أهلها ويسكن روعهم، وأمر الناس بالرجوع إلى بلادهم والتجهز لحرب بلاد الخطا، وأقام شهاب الدين بلهاوور إلى سادس عشر رجب، وعاد نحو غزنة، وأرسل إلى بهاء الدين سام، صاحب باميان، ليتجهز للمسير إلى سمرقند، ويعمل جسراً ليعبر هو وعساكره عليه.
|